كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



واختلفوا في وجه المخافة من زكريا لمواليه من بعده، فقيل: خاف أن يرثوا ماله، وأراد أن يرثه ولده، فطلب من الله سبحانه أن يرزقه ولدًا.
وقال آخرون: إنهم كانوا مهملين لأمر الدين، فخاف أن يضيع الدين بموته. فطلب وليًا يقوم به بعد موته، وهذا القول أرجح من الأوّل لأن الأنبياء لا يورثون وهم أجلّ من أن يعتنوا بأمور الدنيا، فليس المراد هنا: وراثة المال، بل المراد: وراثة العلم والنبوّة والقيام بأمر الدين.
وقد ثبت عن نبينا صلى الله عليه وسلم أنه قال: «نحن معاشر الأنبياء لا نورث ما تركناه صدقة» {وَكَانَتِ امرأتي عَاقِرًا} العاقر: هي التي لا تلد لكبر سنها، والتي لا تلد أيضًا لغير كبر وهي المرادة هنا، ويقال: للرجل الذي لا يلد: عاقر أيضًا، ومنه قول عامر ابن الطفيل:
لبئس الفتى إن كنت أعور عاقرا

قال ابن جرير: وكان اسم امرأته: أشاع بنت فأقود بن ميل، وهي أخت حنة، وحنة هي أمّ مريم.
وقال القتيبي: هي أشاع بنت عمران، فعلى القول يكون يحيى بن زكريا ابن خالة أمّ عيسى، وعلى القول الثاني يكونان ابني خالة كما ورد في الحديث الصحيح.
{فَهَبْ لِي مِن لَّدُنْكَ وَلِيًّا} أي أعطني من فضلك وليًا، ولم يصرح بطلب الولد لما علم من نفسه بأنه قد صار هو وامرأته في حالة لا يجوّز فيها حدوث الولد بينهما وحصوله منهما.
وقد قيل: إنه كان ابن بضع وتسعين سنة، وقيل: بل أراد بالوليّ الذي طلبه هو الولد، ولا مانع من سؤال من كان مثله لما هو خارق للعادة، فإن الله سبحانه قد يكرم رسله بما يكون كذلك، فيكون من جملة المعجزات الدالة على صدقهم.
{يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ ءالِ يَعْقُوبَ} قرأ أهل الحرمين والحسن وعاصم وحمزة وابن محيصن واليزيدي ويحيى بن المبارك بالرفع في الفعلين جميعًا، على أنهما صفتان للوليّ وليسا بجواب للدعاء.
وقرأ يحيى بن يعمر وأبو عمرو ويحيى ابن وثاب والأعمش والكسائي بالجزم فيهما، على أنهما جواب للدعاء.
ورجح القراءة الأولى أبو عبيد وقال: هي أصوب في المعنى؛ لأنه طلب وليًا هذه صفته فقال: هب لي الذي يكون وارثي.
ورجح ذلك النحاس وقال: لأن جواب الأمر عند النحويين فيه معنى الشرط والمجازاة، تقول: أطع الله يدخلك الجنة أي إن تطعه يدخلك الجنة، وكيف يخبر الله سبحانه بهذا، أعني كونه أن يهب له وليًا يرثه، وهو أعلم بذلك، والوراثة هنا هي وراثة العلم والنبوّة على ما هو الراجح كما سلف.
وقد ذهب أكثر المفسرين إلى أن يعقوب المذكور هنا هو يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم.
وزعم بعض المفسرين أنه يعقوب بن ماثان أخو عمران بن ماثان، وبه قال الكلبي ومقاتل، وآل يعقوب هم خاصته الذين يؤول أمرهم إليه للقرابة أو الصحبة أو الموافقة في الدين، وقد كان فيهم أنبياء وملوك، وقرىء: {يرثني وارث من آل يعقوب} على أنه فاعل يرثني.
وقرىء: {وأرث آل يعقوب} أي أنا.
وقرىء: {أو يرث آل يعقوب} بلفظ التصغير على أن هذا المصغر فاعل يرثني.
وهذه القراءات في غاية الشذوذ لفظًا ومعنى {واجعله رَبّ رَضِيًّا} أي مرضيًا في أخلاقه وأفعاله؛ وقيل: راضيًا بقضائك وقدرك، وقيل: رجلًا صالحًا ترضى عنه، وقيل: نبيًا كما جعلت آباءه أنبياء.
{رَضِيًّا يازكريا إِنَّا نُبَشّرُكَ بغلام اسمه يحيى} قال جمهور المفسرين: إن هذا النداء من الله سبحانه، وقيل: إنه من جهة الملائكة، لقوله في آل عمران {فَنَادَتْهُ الملئكة} [آل عمران: 39]، وفي الكلام حذف، أي فاستجاب له دعاءه، فقال: يا زكريا، وقد تقدّم في آل عمران وجه التسمية بيحيى وزكريا.
قال الزجاج: سمي يحيى لأنه حيي بالعلم والحكمة التي أوتيها {لَمْ نَجْعَل لَّهُ مِن قَبْلُ سَمِيًّا} قال أكثر المفسرين: معناه: لم نسمّ أحدًا قبله يحيى.
وقال مجاهد وجماعة: معنى {لَمْ نَجْعَل لَّهُ مِن قَبْلُ سَمِيًّا} أنه لم يجعل له مثلًا ولا نظيرًا، فيكون على هذا مأخوذ من المساماة أو السموّ، وردّ هذا بأنه يقتضي تفضيله على إبراهيم وموسى.
وقيل: معناه لم تلد عاقر مثله، والأوّل أولى.
وفي إخباره سبحانه بأنه لم يسمّ بهذا الاسم قبله أحد فضيلة له من جهتين: الأولى: أن الله سبحانه هو الذي تولى تسميته به، ولم يكلها إلى الأبوين.
والجهة الثانية: أن تسميته باسم لم يوضع لغيره يفيد تشريفه وتعظيمه.
{قَالَ رَبّ أنى يَكُونُ لِي غلام} أي كيف أو من أين يكون لي غلام؟ وليس معنى هذا الاستفهام الإنكار، بل التعجب من قدرة الله وبديع صنعه، حيث يخرج ولدًا من امرأة عاقر وشيخ كبير، وقد تقدّم الكلام على مثل هذا في آل عمران، {وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الكبر عِتِيًّا} يقال: عتا الشيخ يعتو عتيا إذا انتهى سنه وكبر، وشيخ عات إذا صار إلى حال اليبس والجفاف، والأصل عتوا لأنه من ذوات الواو فأبدلوه ياء لكونها أخفّ، ومثل ما في الآية قول الشاعر:
إنما يعذر الوليد ولا يع ** ذر من كان في الزمان عتيًا

وقرأ يحيى بن وثاب وحمزة والكسائي وحفص والأعمش {عتيًا} بكسر العين، وقرأ الباقون بضم العين وهما لغتان، ومحل جملة {وَكَانَتِ امرأتي عَاقِرًا} النصب على الحال من ضمير المتكلم، ومحل جملة {وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الكبر عِتِيًّا} النصب أيضًا على الحال، وكلا الجملتين لتأكيد الاستبعاد والتعجب المستفاد من قوله: {أنى يَكُونُ لِي غلام} أي كيف يحصل بيننا ولد الآن، وقد كانت امرأتي عاقرًا لم تلد في شبابها وشبابي وهي الآن عجوز، وأنا شيخ هرم؟
ثم أجاب الله سبحانه على هذا السؤال المشعر بالتعجب والاستبعاد بقوله: {قَالَ كذلك قَالَ رَبُّكَ} الكاف في محل رفع، أي الأمر كذلك، والإشارة إلى ما سبق من قول زكريا، ثم ابتدأ بقوله: {قَالَ رَبُّكِ} ويحتمل أن يكون محله النصب على المصدرية، أي: قال قولًا مثل ذلك، والإشارة بذلك إلى مبهم يفسره قوله: {هُوَ عَلَىَّ هَيّنٌ} وأما على الاحتمال الأوّل فتكون جملة {هُوَ عَلَىَّ هَيّنٌ} مستأنفة مسوقة لإزالة استبعاد زكريا بعد تقريره، أي قال: هو مع بعده عندك، عليّ هين، وهو فيعل من هان الشيء يهون إذا لم يصعب ولم يمتنع من المراد.
قال الفراء: أي خلقه عليّ هين {وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِن قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئًا} هذه الجملة مقرّرة لما قبلها.
قال الزجاج: أي فخلق الولد لك كخلقك، والمعنى: أن الله سبحانه خلقه ابتداء وأوجده من العدم المحض، فإيجاد الولد له بطريق التوالد المعتاد أهون من ذلك وأسهل منه، وإنما لم ينسب ذلك إلى آدم عليه السلام لكونه المخلوق من العدم حقيقة بأن يقول: وقد خلقت أباك آدم من قبل ولم يك شيئًا، للدلالة على أن كل فرد من أفراد البشر له حظ من إنشاء آدم من العدم.
قرأ أهل المدينة وأهل مكة والبصرة وعاصم وابن عامر {وقد خلقتك من قبل} وقرأ سائر الكوفيين: {وقد خلقناك من قبل}.
{قَالَ رَبّ اجعل لِّى ءايَةً} أي علامة تدلني على وقوع المسؤول وتحققه وحصول الحبل، والمقصود من هذا السؤال تعريفه وقت العلوق حيث كانت البشارة مطلقة عن تعيينه.
قال ابن الأنباري: وجه ذلك أن نفسه تاقت إلى سرعة الأمر، فسأل الله آية يستدلّ بها على قرب ما منّ به عليه.
وقيل: طلب آية تدله على أن البشرى من الله سبحانه لا من الشيطان، لأن إبليس أوهمه بذلك، كذا قال الضحاك والسدّي وهو بعيد جدًّا {قال ءايتك ألا تكلم الناس ثلاث ليال سويا} قد تقدّم تفسير هذا في آل عمران مستوفى، وانتصاب {سويًا} على الحال، والمعنى: آيتك أن لا تقدر على الكلام والحال أنك سويّ الخلق ليس بك آفة تمنعك منه، وقد دل بذكر الليالي هنا والأيام في آل عمران أن المراد ثلاثة أيام ولياليهنّ.
{فَخَرَجَ على قَوْمِهِ مِنَ المحراب} وهو مصلاه، واشتقاقه من الحرب، كأنّ ملازمه يحارب الشيطان.
وقيل: من الحرب محركًا، كأن ملازمه يلقى حربًا وتعبًا ونصبًا {فأوحى إِلَيْهِمْ أَن سَبّحُواْ بُكْرَةً وَعَشِيًّا} قيل: معنى {أوحى}: أومأ بدليل قوله في آل عمران {إِلاَّ رَمْزًا} [آل عمران: 41].
وقيل: كتب لهم في الأرض.
وبالأوّل قال الكلبي والقرظي وقتادة وابن منبه، وبالثاني قال مجاهد.
وقد يطلق الوحي على الكتابة ومنه قول ذي الرّمة:
سوى الأربع الدهم اللواتي كأنها ** بقية وحي في بطون الصحائف

وقال عنترة:
كوحي صحائف من عهد كسرى ** فأهداها لأعجم طمطميّ

و{أن} في قوله: {أَن سَبّحُواْ} مصدرية أو مفسرة، والمعنى: فأوحى إليهم بأن صلوا، أو أي صلوا، وانتصاب {بكرة} و{عشيًا} على الظرفية.
قال الفراء: العشي يؤنث، ويجوز تذكيره إذا أبهم.
قال: وقد يقال العشيّ جمع عشية، قيل: والمراد: صلاة الفجر والعصر.
وقيل: المراد بالتسبيح: هو قولهم سبحان الله في الوقتين: أي نزهوا ربكم طرفي النهار.
وقد أخرج الفريابي وسعيد بن منصور وابن أبي شيبة وعبد ابن حميد وابن جرير، وابن المنذر وابن أبي حاتم، والحاكم وصححه، وابن مردويه، والبيهقي في الأسماء والصفات، والضياء في المختارة عن ابن عباس في قوله: {كهيعص} كبير هاد أمين عزيز صادق، وفي لفظ: كاف بدل كبير.
وأخرج عبد الرزاق وآدم بن أبي إياس، وعثمان بن سعيد الدارمي في التوحيد، وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم، والحاكم وصححه، وابن مردويه، والبيهقي في الأسماء والصفات عن ابن عباس: {كهيعص} قال: كاف من كريم، وهاء من هاد، وياء من حكيم، وعين من عليم، وصاد من صادق.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن مسعود وناس: من الصحابة {كهيعص} هو الهجاء المقطع، الكاف من الملك، والهاء من الله، والياء والعين من العزيز، والصاد من المصوّر.
وأخرج ابن مردويه عن الكلبي أنه سئل عن {كهيعص} فحدّث عن أبي صالح عن أمّ هانىء، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (كاف هاد عالم صادق) وأخرج عثمان بن سعيد الدارمي وابن ماجه وابن جرير عن فاطمة ابنة عليّ قالت: كان علي يقول: يا كهيعص اغفر لي.
وأخرج أبو الشيخ في العظمة، وابن مردويه من طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس في: {كهيعص} قال: الكاف الكافي، والهاء الهادي، والعين العالم، والصاد الصادق.
وأخرج أبو عبيد وابن المنذر عن السدّي قال: كان ابن عباس يقول في كهيعص وحموياس وأشباه هذا: هو اسم الله الأعظم.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: هو قسم أقسم الله به، وهو من أسماء الله.
وكما وقع الخلاف في هذا وأمثاله بين الصحابة وقع بين من بعدهم ولم يصح مرفوعًا في ذلك شيء، ومن روي عنه من الصحابة في ذلك شيء فقد روى عن غيره ما يخالفه، وقد يروى عن الصحابي نفسه التفاسير المتخالفة المتناقضة في هذه الفواتح فلا يقوم شيء من ذلك حجة، بل الحق الوقف، وردّ العلم في مثلها إلى الله سبحانه، وقد قدّمنا تحقيق هذا في فاتحة سورة البقرة.
وأخرج أحمد وأبو يعلى، والحاكم وصححه، وابن مردويه عن أبي هريرة عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «كان زكريا نجارًا» وأخرج الحاكم وصححه عن ابن مسعود قال: كان آخر أنبياء بني إسرائيل زكريا بن أزر بن مسلم من ذرية يعقوب دعا ربه سرًّا {قَالَ رَبّ إِنّي وَهَنَ العظم مِنّي} إلى قوله: {خِفْتُ الموالي} قال: وهم العصبة {يَرِثُنِي} يرث نبوّتي ونبوّة آل يعقوب، فنادته الملائكة، وهو جبريل: إن الله يبشرك {بغلام اسمه يحيى} فلما سمع النداء جاءه الشيطان فقال: يا زكريا إن الصوت الذي سمعت ليس من الله إنما هو من الشيطان سخر بك، فشك وقال: {أنى يَكُونُ لِي غلام} يقول: من أين يكون وقد بلغني الكبر وامرأتي عاقر، قال الله: {وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِن قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئًا}.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {وَإِنّي خِفْتُ الموالي مِن وَرَائِي} قال: الورثة: وهم عصبة الرجل.
وأخرج الفريابي عنه قال: كان زكريا لا يولد له فسأل ربه فقال: {رب هَبْ لِي مِن لَّدُنْكَ وَلِيًّا يَرِثُنِى وَيَرِثُ مِنْ ءَالِ يَعْقُوبَ} قال: يرث مالي ويرث من آل يعقوب النبوّة.
وأخرج الفريابي وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم، والحاكم وصححه عن ابن عباس في قوله: {لَمْ نَجْعَل لَّهُ مِن قَبْلُ سَمِيًّا} قال: مثلًا.
وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وأبو داود وابن جرير، والحاكم وصححه، وابن مردويه عنه قال: لا أدري كيف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ هذا الحرف عتيًا أو عسيًا.
وأخرج ابن أبي حاتم عن عطاء في قوله: {عِتِيًّا} قال: لبث زمانًا في الكبر.
وأخرج أيضًا عن السدّي قال: هرمًا.
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله: {أَلاَّ تُكَلّمَ الناس ثلاث لَيَالٍ سَوِيًّا} قال: اعتقل لسانه من غير مرض، وفي لفظ من غير خرس، أخرجه ابن المنذر وابن أبي حاتم.
وأخرج ابن أبي حاتم عنه أيضًا: {فأوحى إِلَيْهِمْ} قال: كتب لهم كتابًا.
وأخرج ابن أبي الدنيا، والحاكم وصححه عن ابن عباس في قوله: {أَن سَبّحُواْ} قال: أمرهم بالصلاة {بُكْرَةً وَعَشِيًّا}.
{يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا (12)}.
قوله: {يا يحيى} هاهنا حذف، وتقديره: وقال الله للمولود: يا يحيى، أو فولد له مولود فبلغ المبلغ الذي يجوز أن يخاطب فيه، فقلنا له: يا يحيى.
وقال الزجاج: المعنى فوهبنا له وقلنا له: يا يحيى.
والمراد بالكتاب: التوراة لأنه المعهود حينئذٍ، ويحتمل أن يكون كتابًا مختصًا به وإن كنا لا نعرفه الآن، والمراد بالأخذ: إما الأخذ الحسي أو الأخذ من حيث المعنى، وهو القيام بما فيه كما ينبغي، وذلك بتحصيل ملكة تقتضي سهولة الإقدام على المأمور به، والإحجام عن المنهيّ عنه، ثم أكده بقوله: {بقُوَّةَ} أي بجدّ وعزيمة واجتهاد {وَآتَيْنَاهُ الحكم صَبِيًّا} المراد بالحكم: الحكمة، وهي الفهم للكتاب الذي أمر بأخذه وفهم الأحكام الدينية.
وقيل: هي العلم وحفظه والعمل به وقيل: النبوّة وقيل: العقل، ولا مانع من أن يكون الحكم صالحًا لحمله على جميع ما ذكر.
قيل: كان يحيى عند هذا الخطاب له ابن سنتين، وقيل: ابن ثلاث.
{وَحَنَانًا مّن لَّدُنَّا} معطوف على الحكم.
قال جمهور المفسرين: الحنان الرحمة والشفقة والعطف والمحبة، وأصله توقان النفس، مأخوذ من حنين الناقة على ولدها.
قال أبو عبيدة: تقول حنانك يا ربّ، وحنانيك يا ربّ، بمعنى واحد، يريد: رحمتك، قال طرفة:
أبا منذر أفنيت فاستبق بعضنا ** حنانيك بعض الشرّ أهون من بعض

وقال امرؤ القيس:
ويمنحها بنو سلخ بن بكر ** معيزهم حنانك ذا الحنان